فريق العمل
هل يوجد أحدٌ من البشر لا يعاني من التوتر والقلق؟ تقريبًا لا؛ لكن هناك درجة من القلق التي يمكن أن تصل بك إلى مشكلات نفسية وجسدية كبيرة بشكلٍ لا يتخيله كثير من الناس؛ فإذا كنت تشعر بالإرهاق والخمول، حتى إن المهام البسيطة تشعرك بكثيرٍ من الإجهاد لإكمالها، أو تجد نفسك مرهقًا لدرجة أنك تسرع في الغضب أو الشعور بالإحباط، فربما أنت تعاني من الاحتراق النفسي، وهنا عليك الانتباه لأن الأمر قد يكون أخطر مما تتوقع.
حاليًا، نحن نعيش في وقت الاحتراق النفسي بشكلٍ لا يصدق، إذ ينتشر بشكل واسع بسبب طبيعة العصر الذي نحيا فيه؛ انظر حولك جيدًا وستجد عددًا ليس بالقليل من أصدقائك وزملائك وأفراد عائلتك متعبين بشكلٍ كبيرٍ ومستمرٍّ، جسديًّا وعاطفيًّا.
يرتبط الاحتراق النفسي كثيرًا بشغلك لوظيفة مرهقة، لكن هذا ليس هو السبب الوحيد؛ وإن كان الأبرز، ويمكن أن يؤثر في العديد من مجالات حياتك، بل يسبب مشكلات صحية، لحسن الحظ، هناك طرق يمكنك من خلالها التعامل مع هذه الحالة المنهكة في كثيرٍ من الأحيان والتغلب عليها؛ وفي بعض الحالات، عليك استشارة الطبيب.
هنا نتحدث عن هذه الحالة النفسية وسلبياتها وكيفية تمييزها والتعامل معها.
الاحتراق النفسي vs الإرهاق الشديد
قد يكون من الصعب وصف الاحتراق النفسي، فهي ليست حالة طبية محددة. وفقًا لمعجم «APA» لعلم النفس، يعرف الاحتراق النفسي بأنه إجهاد جسدي أو عاطفي أو عقلي، مصحوب بانخفاض الحافز وانخفاض الأداء والمواقف السلبية تجاه الذات والآخرين.
المشكلة في هذه الحالة أنك قد لا تدرك أنك أُصبت بها إلا بعد فوات الأوان عندما تتجاوز الخط الفاصل بين الاحتراق النفسي الحقيقي وبين حالة الإرهاق الشديد لدرجة عدم قدرتك على عمل أي شيء، وتزداد المشكلة أكثر إذا كنت من ذلك النوع الذي يحب البقاء مشغولًا، وقد لا تدرك أنك تضغط على نفسك وجسدك خارج الحدود بالفعل.
لنعطي هنا بعض الأمثلة حتى نوضح طبيعة هذه الحالة المخيفة؛ إذا كنت تعمل في أكثر من وظيفة ولوقتٍ طويلٍ من أجل توفير أساسيات الحياة لأسرتك، فهذا أمر مفهوم إلى حدٍّ ما رغم التعب الكبير؛ لكن المشكلة إذا كنت تقوم بالأمر نفسه لمجرد أنك تريد توفير كل شيء لأبنائك أو حتى لا يتنمر عليهم أفرادٌ ما في العائلة، هنا أنت «تحرق» نفسك وجسدك بشكلٍ مبالغٍ فيه، مما سينتج عنه إرهاق وتعب مستمرين دون وجود حاجة حقيقية يجب إشباعها مقابل كل هذا العمل.
وهذه أسباب حدوث الاحتراق النفسي
يحدث الاحتراق النفسي عندما يخرج توازنك بين العمل والحياة عن المزامنة؛ هذا الأمر كان شائعًا وربما نكون قد شاهدناه بوضوح خلال جائحة كوفيد-19، مع زيادة العمل عن بعد وتسلل التكنولوجيا المرتبطة بأعمالنا إلى بيوتنا وحياتنا اليومية.
كما يمكن أن يأتي الضغط الذي يساهم في الاحتراق النفسي من نمط حياتك العام بجانب الضغط الوظيفي؛ يمكن أيضًا أن تسهم بعض سمات الشخصية وأنماط التفكير، مثل البحث عن الكمال والتشاؤم في سهولة الوصول لحالة الاحتراق النفسي.
يمكن أن نشير هنا إلى ثمانية عوامل يمكن أن تساهم في حدوث الاحتراق النفسي بشكلٍ كبيرٍ:
القلق حول المال.
العمل من المنزل.
القلق حول الأمان الوظيفي أو فقدان الوظيفة.
العزلة والشعور بالوحدة.
مشكلات صحية جسدية مثل عدم تناول طعامٍ صحي، أو تلك العادات المضرة بالصحة.
مشكلات النوم.
العلاقات الاجتماعية والمسؤوليات المرتبطة بها.
الاهتمام بالآخرين أكثر من نفسك.
مشكلات الاحتراق النفسي
الإرهاق ليس شيئًا يختفي من تلقاء نفسه؛ بل يمكن أن يتفاقم ما لم تعالج المشكلات الأساسية التي تسببها؛ إذا تجاهلت علامات الإرهاق، فقد يتسبب ذلك في مزيدٍ من الضرر لصحتك الجسدية والعقلية في المستقبل؛ قد تفقد أيضًا القدرة والطاقة على تلبية متطلبات وظيفتك بشكلٍ فعالٍ؛ والتي قد يكون لها آثار غير مباشرة على مجالاتٍ أخرى من حياتك. هذه بعض مخاطر الاحتراق النفسي:
الخطر الحقيقي للاحتراق النفسي يكمن في إبعاد الأشخاص أنفسهم عاطفيًّا وإدراكيًّا ليس فقط عن العمل، بل عن الأشخاص الذين يعملون معهم.
معاملة الآخرين (زملاء العمل والعملاء) بسلوكٍ ساخرٍ وعديم المشاعر.
المصابون بالاحتراق النفسي أكثر عرضة لبدء النزاعات الشخصية في العمل، ويكونون معادين للآخرين.
نقص الكفاءة الشخصية والإنتاجية.
مخاطر أعلى بنسبة 26 إلى 35% للوفاة المبكرة (الوفيات تحت سن 45).
أكثر عرضة بثلاث مرات لخطر الإصابة بالاكتئاب وأمراض القلب التاجية في المستقبل.
مخاطر متزايدة للإصابة بمرض السكري من النوع 2 بنسبة 200%.
علامات وأعراض الاحتراق النفسي
يمكن أن تختلف الأعراض من شخصٍ لآخر بحسب عوامل عدة؛ بينها القدرات الفردية في التعامل مع الضغوط وطبيعة الضغوط نفسها؛ الأمر المؤكد هنا أن وصولك لمرحلة الاحتراق النفسي تعني وجود تأثيرات سلبية جسديًّا وعقليًّا وعاطفيًّا، هذه بعض الأعراض:
1- الإعياء والتعب.. أنت مستنزف طوال الوقت
التعب هو أحد الأعراض الرئيسة للاحتراق النفسي، ويمكن أن يؤثر في جميع مجالات حياتك؛ قد تشعر بالرغبة في النوم طوال الوقت، أو تجد أنه حتى المهام البسيطة تستغرق وقتًا أطول لإكمالها؛ بشكلٍ عامٍّ ستشعر أنك مستنزف طوال الوقت.
على سبيل المثال، يواجه الأشخاص وقتًا عصيبًا في محاولة الموازنة بين مسؤوليات العمل والأبوة، وهو ما يجعلك تشعر بتقصيرٍ مستمرٍّ طوال الوقت تجاه أحدهما أو كليهما؛ هذا يعني شعورًا بالركض طوال الوقت دون رضا عن النفس.
2- الشعور باللامبالاة أو عدم الرضا عن عملك.. أنا روبوت!
كل شخص لديه أيام لا يريد فيها النهوض من الفراش والذهاب إلى العمل؛ عندما تستمر هذه المشاعر، فإنها تصبح مشكلة؛ كثير من المصابين بحالة الاحتراق النفسي تجدهم يتساءلون: ما الهدف مما أعمل؟ هل العمل الذي أقوم به يُحدث فرقًا حقًّا؟ هل أستمتع حقًّا بما أفعله أم أنه مجرد روتين أقوم به كالروبوتات؟ كل هذه الأسئلة تشير إلى حالة عدم الرضا عن العمل الذي تقوم به.
مثل هذه التساؤلات يمكن أن تجدها لدى العاملين في جميع مراحل حياتهم المهنية، ويمكن أن تلاحظ وجود أشخاص، لم تمر عليهم سنة أو اثنتين في مجال عملهم، أو ربما تخرجوا من الكلية منذ أشهر، ويشعرون بهذه الحالة من عدم الرضا.
3- الصداع.. الرغبة في خبط الرأس في الجدار
صداع التوتر هو أحد الآثار الجانبية الشائعة للاحتراق النفسي؛ هذا العرض ستجده يتكرر في كثيرٍ من الأحيان.
4- التغييرات في نظامك الغذائي أو أنماط نومك
البشر مخلوقات مرتبطة بالعادات، وعندما نشهد تغيرات في هذه العادات، فغالبًا ما تكون هذه علامة على وجود خطأ ما، هذا هو الحال بالتأكيد مع الاحتراق النفسي.
هنا، لاحظ أي تغييرات كبيرة في النظام الغذائي، مثل أن تأكل أكثر أو أقل من المعتاد، أو أنك لا تلتزم بنظامٍ غذائيٍّ صحي؛ أيضًا لاحظ أي تغيرات في أنماط النوم عندك، النوم في أوقات مختلفة من اليوم، أو الشعور بالحاجة إلى الحصول على عددٍ أكبر أو أقل من ساعات النوم من المعتاد، قد يكون علامةً أخرى.
من بين العلامات الأخرى، انخفاض المناعة والأمراض المتكررة، وآلام العضلات المتكررة، والشعور بالفشل والشك بالنفس، والانفصال والشعور بالوحدة في العالم، والنظرة المتشائمة والسلبية بشكلٍ متزايدٍ، والانسحاب من المسؤوليات، والتسويف، وإخراج إحباطاتك عن الآخرين، والقدوم للعمل متأخرًا والمغادرة مبكرًا.
ماذا تفعل إذا كنت تعاني من الاحتراق النفسي؟
غالبًا ما يكون إدراك أنك تعاني من الاحتراق النفسي هو الخطوة الأولى لوضع خطةٍ للتعافي؛ قد لا تتعرف بالضرورة على الاحتراق النفسي في مراحله الأولى؛ غالبًا ستبدأ في ملاحظته في مراحل متقدمة نسبيًّا عندما تبدأ أشياء كبيرة غير معتادة في الحدوث كما ذكرنا.
هذه بعض الأشياء التي تساعدك على العودة إلى الطريق الصحيح:
الرعاية الصحية العقلية؛ غالبًا ما تكون زيارة المعالج خطوة أولى جيدة للتعامل مع الاحتراق النفسي، أو إيجاد المكان الآمن للتحدث مع شخصٍ ليس فردًا من أفراد العائلة أو صديقًا أو زميل عمل أو جارٍ، ولكن شخصًا محايدًا ومدربًا.
ضع فترات راحة واضحة في جدولك الزمني؛ يجب أن تبتعد عن الحاسوب والهاتف أو أي مصدر من مصادر التوتر.
ممارسه الرياضة؛ ممارسة نوع من التمارين البدنية سيكون أداةً جيدةً ومفيدةً للتأقلم؛ فقط أنت تحتاج لبضع دقائقٍ كل يوم.
مارس التأمل؛ يمكنك القيام بذلك عبر التنفس العميق الذي يجبرك على التركيز على كل شهيقٍ وزفيرٍ.
ضع روتينًا يوميًّا؛ إنشاء روتينٍ يومي صحي للنوم والنظام الغذائي، ووقتٍ مخصصٍ لأي شيء إلا العمل أمرٌ بالغ الأهمية؛ ربما تحتاج إلى الاهتمام بالجوانب الاجتماعية في حياتك.
ابدأ في بناء وفرض الحدود بين العمل والحياة؛ الاحتراق النفسي أمر شائع لأننا غالبًا ما نواجه صعوبة في قول لا؛ لذلك، يجب أن تقول لا لأي شيء يتعدى حدود الطرف الآخر من حياتك.
حدد ميزانيتك المالية بشكلٍ مسبقٍ مع تحديد الأولويات والفرعيات.
اكتشف ومارس هواية؛ إذا لم تكن بالضرورة تشعر بالرضا في العمل، فغالبًا ما يساعدك البحث عن شيءٍ خارج العمل عبر بدء هواية أو التطوع أو الانضمام إلى نادٍ أو منظمة ما؛ هذا أمر بالغ الأهمية، يمكنك حتى تعلم شيءٍ جديدٍ بشرط أن يحتاج لوقتٍ طويلٍ لتعلمه مثل اللغة والعزف على آلةٍ ما.